لعل الدبق من أولى الصناعات التي ابتكرها الإنسان السوري القديم بهدف اصطياد الطيور يوم كانت أشجار الدبق منتشرة في أغلب المناطق السورية.
ويوم كان لصيد الطيور أهميته الاقتصادية من تجارية وغذائية وباختصار فإن الدبق عبارة عن مادة لزجة تُستخرج من ثمار الدبق مع إضافة مواد أخرى تجعلها أكثر صمغية ولزوجة تجعل الطائر الذي يحط عليها يلتصق وبالتالي يأتي الصياد ويصطاده وهو معلق على عود الدبق وهذه الطريقة على ما يبدو هي للصيادين الكسالى أو الذين لا يحبون الحركة إذ كل ما في الأمر ليس على الصياد سوى أن يضع عيدان الدبق أو يصليها على شجرة وينتظر أن يحط الطير على هذه العيدان ليمسك بها دون أو تؤذيها.
أما مواد الصناعة فيعددها لنا الصياد والصانع علي أسعد رجيبة أبو محمد من قرية يحمور التابعة لمحافظة طرطوس بالآتي
بدايةً العيدان ويفضلها أبو محمد أن تكون من عيدان الزيتون وقد تكون من عيدان الغار والريحان ويجب أن تكون هذه العيدان رفيعة وبطول حوالي المتر وأن تكون مستقيمة ومرنة.
من ثم ثمار الدبق وهي بحجم ثمار الكرز تقريباً تكون صفراء اللون في حال النضج وتقطف هذه الثمار في أول شهر آب إذ تكون في هذا الشهر ناضجة وأكثر لزوجة وسهلة التعامل.
في المرحلة الثالثة يُضاف
العسل إلى ثمار الدبق بعد نزع البذرة من الثمار الأخيرة وعجنها والعسل يجعل هذه الخلطة أكثر دبقاً ولزوجة وصمغية..
ويُضاف ماء غليسرين لعجن هذه الخلطة ولأجل تمديدها كما يُضاف إليها نيلة زرقاء وزرنيخ وذلك لجعل لون هذا الخليط أخضر وفائدة اللون الأخضر لأجل التمويه لأن عيدان الدبق توضع في حالة الصيد على أغصان الأشجار الخضراء وبالتالي إذا كانت بغير اللون الأخضر فإن الطيور لا تحط عليها وهنا لا تستطيع هذه العيدان اصطياد الطيور
هذا الخليط أو بالأحرى العجين يمده أبو محمد على هذه العيدان الرفيعة أكثر من مرة حتى تكون كمية الدبق مناسبة على هذه العيدان وبعد أن يُفرش الدبق على العيدان يعرض للشمس لمدة ثلاثة أيام تقريباً وبعد هذه المدة يكون عود الدبق جاهزاً للصيد.
أما الخلطة الواحدة أو العجينة الواحدة فإنها تحتاج إلى المقادير التالية يُضيف أبو محمد علي أسعد رجيبة ثمانية كيلو غرامات من ثمار الدبق بعد نزع البذرة إذ توضع الثمرة في الفم ويبق البذرة وهذه أبطأ مراحل هذه الصناعة كما تحتاج أيضاً إلى نصف كيلو غرام عسل وواحد غرام نيلة وواحد غرام زرنيخ وكوب
واحد غليسرين هذه الخلطة أو العجينة تفرش سبعين عود دبق، هذه العيدان تُستخدم لمدة سنتين على الأقل شرط أن تحفظ بعيداً عن الرطوبة والغبار ولأجل هذه الغاية فقد تم صناعة حقيبة من القصب تتسع لثمانين عود دبق.
وأبو محمد رجيبة تعلم هذه المهنة من والده وهو يحاول بصعوبة تعليمها لأولاده وأحفاده لكنه يعاني نقص وانقراض أشجار الدبق، وما تنتجه أشجاره لا تكفي فهو في كل شهر آب من كل سنة يبحث عن أشجار الدبق في جرود الجبال ليضمنها من أصحابها أو يشتري ثمار الدلق الذي يصل ثمن الكيلو غرام الواحد إلى خمسين ليرة سورية تكفي هذه الكمية فرش ثلاثة أعواد فقط وحول المردود المادي فإن أبو محمد يبيع العود الواحد بخمسين ليرة سورية ويصل دخله السنوي إلى مئتي ألف ليرة سورية وهذه القضبان أو الأعواد قادرة على اصطياد مختلف أنواع الطيور ومهما كان حجمها كبيراً غير أن هذه المهنة في طريقها إلى الانقراض والأفول يُضيف أبو محمد وذلك لعدة أسباب: أولها انصراف الجيل الجديد عنها وذلك لصعوبتها ولمردودها المادي الضئيل، إضافة إلى انقراض شجر الدبق في الساحل السوري كما أن الذين يعرفون سر المهنة قلائل جداً.
ويذكر أبو محمد رجيبة أن طريقة صيد الطيور بواسطة الدبق كانت منتشرة في أغلب المناطق السورية خصوصاً الساحل عندما كانت غابات الدبق منتشرة وكانت الطيور أيضاً متنوعة وكثيرة ويوم كان هناك فائض من الوقت لمحبي الصيد لممارسة هواياتهم، والآن يعتقد أبو محمد أن الذين يعملون في صناعة الدبق في سورية كلها لا يتعدى عددهم العشرية بعد أن كانوا بالمئات قبل عقدين.
منقول من موقع طرطوس لافادة